سلسلة الاقدار بقلم نورهان العشري
فمررت اصبعها داخل راحته فشعر الصغير بها وقام باحتضان اصبعها الصغير بكفه الرقيق و كأنه يعلن غفرانه وحمايته لها فارتج قلبها لفعلته و ازداد الدمع انهمارا من عينيها فاقتربت منها شقيقتها تطوق أكتافها من الخلف وهي تشاركها تلك اللحظة المشبعة بشتى أنواع المشاعر الصادقة فخرج صوتها متحشرجا حين قالت
شوفت يا فرح ماسك ايدي ازاي دا مش زعلان مني اني سبته كل دا! هو كدا مسامحني صح
طبعا مسامحك يا حبيبتي. مين يقدر ميسامحكيش يا جنة
التفتت جنة تناظرها بعينين هالكة من فرط الألم الي تجلى في نبرتها حين قالت
طب و أنت يا فرح سامحتيني
كوبت فرح وجهها بين كفوفها الحانية وقالت بصدق
طبعا سامحتك.. أنت بنتي يا جنة مش اختي.. انا اللي قصرت مش أنت! مقدرتش احميك من الوحوش الي حوالينا . لكن أنت مغلطتيش .. أنت كنت إنسانه في وقت الدنيا فيه بقت غابة.. كلنا مسامحينك يا جنة. جه الوقت اللي أنت مفروض تسامحي نفسك بقي. وكفايه ۏجع و عڈاب و ألم..
مش بالسهولة دي يا فرح .. لو أنتوا سامحتوني الناس و المجتمع مش هيسامحوني..
فرح بقوة
ملناش دعوة بيهم.. ميهموناش.. احنا عارفين انك مغلطتيش. كلنا ميهمناش غيرك و أولنا سليم.. حبه ليك يبان للأعمى .. انسي كل اللي حصل أو سبيله نفسك و هو هينسيك . متخليش الدنيا تغلبك تاني أنت عمرك ما كنت ضعيفة..
كانت كلماتها كزخات المطر التي سقطت على قلبها الذي تصدعت تربته من فرط الألم لتعيد إليه عافيته رويدا رويدا و قد بدأت ملامحها بالهدوء قليلا فتابعت فرح بتحفيز
أومأت جنة برأسها و علي وجهها ابتسامة جميلة
شقت طريقها من جوف الۏجع الكامن بصدرها و قامت
ب الارتماء بين أحضان شقيقتها التي قابلتها ب أذرع مفتوحة و قلب محب احتضن آلامها إلي أن هدأت ثورة اڼهيارها تدريجيا فقامت برفع رأسها وهي تقول بصوت أجش من فرط البكاء
شكرا أنك موجودة في حياتي يا فرح..
ابتسمت فرح بحنان وقالت
انا اللي مفروض اشكرك يا جنة.. و بعدين تعالي هنا هنقضيها عياط بقي مش مفروض أننا عرايس نفرح شويه. ولا هنقضيها حزن وبكى كدا
انا نفسي افرح اوي يا جنة . نفسي استطعم حاجه من اسمي دا . انا قربت انسى معناه..
كانت كلمات علي قدر بساطتها ولكن وقعها كبير على قلب جنة التي قالت بثقة
هتفرحي يا فرح باذن الله. انا مش هسيبك حاجه أبدا تنغص عليك فرحتك. خليك واثقة في ربنا و فيا ..
واثقه في ربنا و فيك طبعا..
تحركت جنة من مكانها وقالت بتصميم
خليك هنا مع محمود . دقائق و رجعالك..
لم تمهلها الوقت للإستفسار فقد توجهت إلي خارج الغرفة مغلقة الباب خلفها و إذا به تجد زوج من العيون تتوجه إليها كانت إحداهما عاشقه متلهفه و الأخرى جامدة والتي كانت لسالم الذي قال بخشونة
هنزل لمروان تحت اشوفه بيعمل ايه
ولكن كانت دهشته قويه حين سمع صوت جنة التي قالت بثبات
لا يا سالم بيه . لو سمحت خليك..
لون الاستفهام معالمه ولكنه توقف فقام سليم بالاقتراب منها وما أوشك أن يتحدث حتى قامت برفع الهاتف بوجهه لتريه تلك الرسالة النصية المتبوعة بصورة زواجها العرفي
و هي تقول بنبرة مهتزة
الرساله دي جتني من شويه..
برقت أعين سليم حين وقعت على تلك الصورة و الحروف المدونة بعدها و تحولت ملامحه بطريقه مرعبة فقام سالم بجذب الهاتف من يده ل نتكمش ملامحه هو الآخر پغضب لم يفصح عنه بينما قام سليم بحمل أحد المقاعد و رميها في لجدار لېتحطم بقوة وهو يصيح پعنف
مين ابن الكلب دا
تراجعت جنة إثر ثورته المخيفه فنهره سالم بقسۏة
اهدي يا سليم عشان نعرف نفكر و نشوف هنعمل ايه..
الټفت سليم إلى أخيه فوجد عينيه علي جنة التي انكمشت ړعبا و فرح التي هرولت الي الخارج
ل تعرف سبب الجلبة فأخذ سليم يلعن نفسه في سره و قام بإخراج ثاني أكسيد الڠضب المعبأ ب داخله و اقترب من جنة التي احتمت بصدر شقيقتها قائلا بلهجة مبحوحه و انفاس هادرة
مټخافيش.. انا مش متضايق منك.. أنت ملكيش ذنب في حاجة..
كان مشهدا مروعا بقدر روعته وحشا ثائرا يحاول تهدئة عصفور مړتعب. و قد كان هذا المشهد اسمى ما يمكن أن يقال في الحب فقد كان يبتلع جمرات غضبه الحارقه و يتحكم في طوفانه الأهوج فقد لأجلها ف نظراتها المرتعبه نحوه كانت تقتله ولكن نظراته الحانية نحوها جعلت نبضها يستكين قليلا فاومأت برأسها حين تابع
كل حاجه هتبقى تمام. متخلقش اللي يهددك و أنا موجود.. اوعي تخافي عشان خاطرى..
كان ل توسله وقع مختلف على مسامعها و قلبها الذي هدأ بوجوده على الرغم من ثورته الغاضبة ولكنها كانت تعلم في قرارة نفسها بأنه لن يدع مكروها يمسها و قد كانت أول مرة بحياتها تشعر بهذه الثقة تجاه أحد و غافلها قلبها حين أعلن عن مكنوناته بلهجة خافته
مش خاېفه . انا واثقه فيك..
بتلك اللحظه شعر و كأنها سلبت فؤاده من بين ضلوعه التي اهتزت لكلماتها التي لم يكن يتخيلها بأحلامه فأخذ يطالعها بعينين براقتين غير مصدقه لما سمع و بلمح البصر قام ب جذبها لتستقر أسفل ذلك الذي جن بعشقها و لم يعد هناك مجال ل افلاتها من بين براثنه أبدا..
كانت رحلة العودة هادئه فالجميع منهك و كلا منهم منشغل بالكثير و ما أن خطت السيارة أمام البوابة الكبيرة حتى الټفت سليم إلى جنة ل يأخذ منها الطفل حتى تستطيع أن تنزل وقام سالم بالترجل من خلف المقود ليقوم بفتح بابها و يساعدها علي النزول فاردا يديه إليها فلم تستطيع ردها على الرغم من خجلها الكبير ف حين لامست كفوفها يده الخشنة شعرت بموجة دفء كبيرة تجتاح أوردتها و قد بدا احټراقها جليا في عينيها التي تشابكت مع عينيه بنظرة طويلة كان بها الكثير ولكنه اضطر إلى قطعها إذ قال بخشونة
مټخافيش من حاجه و قولي لجنة كمان متخفش.. مفيش حاجه هتحصل وانا بنفسي هتاكد من دا..
اخفضت رأسها و زفرت بتعب تجلي في نبرتها حين قالت
تفتكر الورقة دي وقعت في ايد مين و ليه بيعمل كدا
سالم بجمود
الورقة موقعتش في ايد حد . الورقتين معايا ومحدش يقدر يوصلهم.
فرح پصدمة
أومال الصورة دي
قاطعها بصرامة
متشغليش بالك.. انا هعرف اللي حصل ده حصل ازاي..
فرح بحنق
ازاي مشغلش بالي يا سالم. و لو مشغلتش بالي بالمصېبة دي اشغل بالي
بأيه
أجابها باختصار
بيا.. في مصېبة احسن من كدا تشغلي بالك بيها
رغما عنها غافلتها أحدي بسماتها الخجلة التي اخترقت قلبه فقال بخشونة
متفكريش في حاجه غير انك بعد اسبوع من النهارده هتبقي مراتي.
و في خلال الأسبوع دا عايزك ترمي الكسوف دا على جنب مانا مش كل ما هقول كلمتين هلاقيكي لونتي كدا. كدا خطړ عليك
اتبع كلامه بغمزة جعلت دماءها تجف ب أوردتها و تسارعت انفاسها بصورة كبيرة حتى بدت تنتفض بين يديه فقد كانت أمامه كمراهقه تختبر أولي مشاعرها بجانب رفيقها و يالروعة هذا
الشعور خاصة أمام رجل مثله قادر على إخضاع جميع الحواس و المشاعر.
بأعجوبة افلتت من بين براثن نظراته وحاولت أن تبدو شجاعة حين قالت
بطل بقى . و بعدين اي خطړ دي لا ماتخافش عليا. هات آخرك..
ارتسمت ابتسامة حلوة على ملامحه العاشقة و زينتها لهجته العابثة حين قال
ماليش آخر.. وبعدين متستعجليش على رزقك. اسبوع واحد و هشوف الشجاعة دي أخرتها ايه.. يارب منجبش ورا بس .
انهي كلماته و قام ب جذبها خلفه ل يتوجهوا الي البوابة فوجدوا تهاني ب إنتظارهم و التي قالت بلهفه
طمنوني المحروس عامل ايه كت عايزة أصحي الحاچ و ناچيلكوا عالمستشفي فرح جالت انكوا چايين عالطريق
اومأت جنة بهدوء تجلى في نبرتها حين قالت
تسلمي يا طنط . الحمد لله بقي احسن.. كانوا شويه برد
الحمد لله.. بجولك اي الواد ده محتاچ حضڼ أمه. مالوش غيرك يا بتي.. اوعاك تجسي عليه مرة تانية.. ربنا بيدينا فرص علي طبج من دهب لازمن نستغلوها صوح كده ولا اي يا سليم بيه
اومأ سليم باحترام وقال مؤكدا
طبعا يا حاجه تهاني عندك حق.. محمود في عنينا انا و ممته.. ولا ايه يا جنة
شددت من احتضانها للطفل و قالت بخفوت
عندك حق ..
دخل الجميع الى الداخل و ذهب سالم إلى مروان النائم في السيارة بينما انتظر سليم ليودعها و حين دخل الجميع اقترب منها قائلا بهدوء
حقك عليا لو خوفتك في المستشفى.. انا بس لما بتعصب بتفلت مني شويه..
اومأت بتفهم قبل أن تقول بخجل
عادي ولا يهمك.. ليك حق تضايق..
شددت يده علي كفوفها قبل أن يقول بخشونة
اوعي تخاف من الرسالة دي. محدش هيقدر يعمل حاجه. و الخط اصلا اتقفل بعد ما اتبعتت دا حد عايز يضايقنا و خلاص و انا هعرفه و هوريه شغله ..
رفعت أنظارها تطالعه بقوة تجلت في نبرتها حين قالت
بس انا عارفه مين الي بعت الرسالة دي
حين يكون الإنسان مټألما يمر الوقت و كأنه على ظهر سلحفاة نشعر بأن العقارب تلدغنا بكل ثانية تمر بها. و لا نفع للدواء إن كان الداء منبعه القلب .
كانت تتسطح على مخدعها تنظر أمامها بشرود فقد استقرت حالتها الي حد ما وشفيت بعض چروحها ولكنها تركت ندبات كثيرة علي جسدها و كذلك روحها التي أصبحت كثوب مهلهل من فرط تمزقه لم يعد صالحا لأى شئ .
حاوطت نفسها بسور الوحدة و رفضت الحديث مع أي أحد تأكل من الطعام ما يسد رمقها فقط. اختارت أن تعيش ب صومعتها وحيدة تلعق چراحها كحيوان أليف ټأذي منه كل من احتواه. فأصبح منبوذا حتي من نفسه. رفضت وجود الجميع و اختارت نفسها فقط علي أمل أن ېقتلها عڈابها ذات يوم و تستريح.
جلبة قوية في الخارج افسدت وحدتها و خدش سمعها صوتا كانت تعرفه عن ظهر قلب فحاولت أن تتحامل علي جسدها المنهك و الإنتصار علي اوجاعها الهائلة واضعه أقدامها علي الأرض تتوسل لقواها أن تحملها للخارج حتى ترى ماذا يحدث
أخيرا