رحلة اثام بقلم منال سالم
وبلي الشربات يا حبيبتي.
لم تستجب لها وأسندت الصينية أمام الضيف لترد بسحنة مقلوبة
مش عاوزة.
سددت لها أفكار نظرة مستنكرة لاحقتها بقولها وهي تصر على أسنانها كأنما تبدي غيظها من جمودها
يا بت اسمعي الكلام.
تدخل عوض قائلا بتهذيب وهو شبه خافض لنظراته
سبيها على راحتها يا حاجة.
أثرت فردوس الذهاب لكن منعتها عقيلة مضيفة بتعبير صارم وهي ترمقها بنظرة آمرة
على مضض استجابت لأمرها واستقرت على الأريكة المجاورة لأمها وبعيدا عن مرمى بصر عوض كأنما بهذا تبدي اعتراضها الضمني على الزواج به. ساد الصمت بين أربعتهم وكأن مخزونهم من الحديث قد نضب مما استدعى أفكار للتصرف بشيء من المكر أشارت بنظرة مفهومة لشقيقتها طالبة منها النهوض وهي تستطرد
كانت فردوس على وشك الوقوف لكنها أشارت لها لتجلس مخاطبة إياها
خليكي إنتي مع عريسك.
لم تكن راضية عن هذا فاقتربت منها خالتها وهمست لها في أذنها
افردي وشك وقولي كلمتين حلوين للجدع بدل ما يطفش!
احتدت نظرتها إليها واكتسى وجهها بأمارات الضيق ومع ذلك لم تستطع منع نفسها من التعبير عن مكنونات صدرها انتظرت ابتعاد والدتها مع خالتها وراحت تكلم عوض بنزق
تفاجأ بما قالته فنظر ناحيتها وحاجباه معقودان أنكر اتهامها في التو
لا يا بنت الناس ده مش طبعي.
سألته مستفهمة بغير تصديق
أومال طلبت تتجوزني بعد ما أخوك رماني ليه
أتى رده بسيطا للغاية ونابعا من داخله
عشان شايف فيكي ست البيت الأصيلة!
اندهشت لكلامه ولم تبد مقتنعة تماما بتبريره ظلت متمسكة باعتقادها المترسخ فيها جراء التجربة السلبية التي حفرت آثارها بعمق في وجدانها.
بقولك إيه ما تنادي على البت تساعدنا هنا بدل ما تعك الدنيا مع الراجل برا.
بصي عليهم كده وإنتي تعرفي أنا خاېفة ليه.
تحركت من مكانها لتنظر إليهما بحذر رأت كيف تبدو ابنتها متحفزة بشدة كأنما تتصيد الأخطاء له شاركتها في توترها وهتفت توافقها
دي بوزها شبرين ومش طايقة حد!
دون إضاعة الوقت اتجهت عقيلة للخارج واضعة على محياها ابتسامة زائفة ثم طلبت منها في وداعة غريبة
استغربت فردوس من عودة والدتها إليها ومع ذلك قالت
في طاعة كما لو كانت قد وجدت المهرب لها من جلستها غير المستحبة إليها
طيب.
فور أن علم بعودته على رأس عمله بعد رجوعه من الخارج ذهب إليه في مكتبه ومضى معظم وقت راحته معه تقمص دوره جيدا وأبدى اهتماما غير عادي به كأنما كان يتحرق شوقا لمعرفة تفاصيل جولته الزوجية الجديدة استرسل مدهوشا وهو يرتشف القليل من فنجان قهوته
ده إنت ملحقتش أنا قولت هتقعد شهر ولا اتنين.
قال بغموض محير وهو يزين وجهه ببسمة ظافرة
كفاية كده.
غمز له ممدوح بطرف عينه معلقا في خبث عابث
شكل البطة البلدي كانت تستاهل.
ضحك مستمتعا ليؤكد له ما ظنه مرددا
من الناحية دي أيوه!
صفق له كنوع من الإثناء على مهاراته في الإيقاع بها وتابع
عقبال كل آ.. بطة.
ليزيد من إغاظته قال منتشيا وهو ينتصب في جلسته الشامخة
ما أنا ماستكفتش بيها وبس وشبكت مع عصفورة شقرا.
كان ممدوح بارعا للغاية في التغطية على ما يشعر به بقناع الهدوء وعدم المبالاة رغم يقينه بأنه يتعمد قول ما يستفزه وما يشعره دائما بأنه صاحب الأفضلية والأسبقية في كل شيء لذا جاراه في استعراضه المتفاخر ومط فمه في إعجاب معقبا عليه
مابتضيعش وقت أستاذ!
أدرك بصفاء كامل أن ما تمنى حدوثه على وشك الوقوع الآن عليه فقط أن يكون مرتب الأفكار وأكثر إقناعا وهو يبوح لوالده بما أجرم به شقيقه ليقصيه من منزلته المفضلة لديه في قلبه . بمكر الثعالب ودهائهم شرع سامي في تنفيذ خطته مسترسلا في وصف ما نما إليه من معلومات صاډمة وضعت العائلة في موقف مشين وشبه مخز حقق ما كان يصبو إليه حينما اڼفجر السيد فؤاد هادرا في تعصب غاضب
تبعت تقوله يجي فورا هنا يسيب أي حاجة عنده ويرجع.
بنفس نبرة المسكنة التي اتخذها وسيلته للمواراة خلفها قال صاغرا
حاضر يا باشا.
تأمل الانفعال الذي أصبح عليه فأطرق رأسه وتابع في خبث ليزيد من شحنه ضده
أنا مكونتش عاوز أعرفك يا بابا بس حاجة زي دي مابتستخباش!
استثاره بأقواله اللئيمة فهدر في تعصب أكبر
اتهبل في مخه عشان يجيب حثالة من الشارع يعملها مراته!
رد عليه مستنكرا وليضمن ملء صدره بالأحقاد ضده
وكان عامل نفسه بينصحني وهو قاصد يرمي نفسه في الوحل.
استشاط ڠضبا على ڠضب وهدر يأمره بغير تهاون
مش عاوز أسمع كلمة زيادة تعمل اللي أمرتك بيه وخلاص.
هز رأيه معقبا في صوت مطيع وشيطانه يرقص طربا بداخله
تمام يا فؤاد باشا.
حسبما تراءى لها بعد استغراق عميق في التفكير وهي تجلس في منزله أنها لم تتخذ أي احتياطات منذ اللحظة الأولى لتجنب الحمل منه ومن المفترض أنها تعد العدة الآن للتخلص منه انقبض قلبها وأخذت تلوم نفسها پتعنيف غليظ وهي ټضرب مقدمة جبينها
أنا إزاي مفكرتش في ده لازما أعمل حسابي.
ارتعشت تهاني ورأت كيف ترتجف أطرافها في خوف غريزي دارت حول نفسها مرددة في تصميم مشوب بالقلق الشديد
بس محتاجة أتأكد الأول.
وضعت يديها المضمومتين إلى صدرها شعرت بتسارع نبضات قلبها حاولت السيطرة على مشاعرها المتذبذبة وهي تستمر في مخاطبة نفسها
ربنا يستر وما يحصلش اللي في بالي!
لتقطع الشك باليقين كان أول ما قامت به فور عودتها لاستئناف العمل بنفس المشفى مع من تبغض هو إجرائها لاختبار الحمل في سرية تامة لم تنكر أنها حاولت على مدار الأيام السابقة حينما كان يشرع في ممارسة طقوس الحب الحميمية معها تجنب الاتصال المباشر لعلها بذلك تحد من شكوكها المرعبة ومع ذلك بقيت هواجسها قائمة. استغلت وقت انشغاله في غرفة العمليات بالذهاب
إلى المعمل وتولت بنفسها الأمر ثم انتظرت بترقب شديد النتائج.
للغرابة ظلت تهاني تتلقى التهنئات والمباركات ممن تعرفه وممن لا تعرفه في مكتبها حتى أصبح ممتلئا عن آخره بعشرات من باقات الورد وهذا ما لم تتوقعه خاصة مع اكتشافها لحقيقته المؤسفة ظنت أنها ستكون نكرة بالنسبة له لن يجعل أحدهم يعلم بمسألة ارتباطهما الرسمية بدا من الصعب عليها فهم ما يخططه في رأسه بقيت معظم الوقت شاردة واجمة في حالة من الخۏف. لم تنصرف في وقت باكر فقد أبلغها زوجها بمغادرته للقاء واحد من الوفود الطبية الأجنبية بأحد الفنادق مما استحثها على البقاء واكتشاف النتائج ليلا.
أسرعت بالذهاب إلى المعمل حتى تتمكن من الإطلاع عليها اتسعت عيناها في صدمة عظيمة وقد قرأت فحواها دق قلبها بقوة وهتفت تكلم نفسها في ارتياع
أكيد ده وهم استحالة ...
تقطعت أنفاسها وتلعثمت وهي تنهي عبارتها المنقوصة
أنا .. حامل!
انفلتت منها شهقة أقرب إلى الصړاخ عندما التف بغتة حول خصرها ذراعا قوية أحاطتها بتملك وألصقتها في التو بصدر أحدهم استدارت كالملسوعة للجانب بوجهها لتنظر إلى من ضمھا هكذا فوجدته مهاب بوجهه المبتسم في شړ صريح اجتاحتها موجات من الخۏف والهلع أحست بقدميها تتحولان لهلام وكأنها على وشك فقدان وعيها برزت عيناها أكثر في محجريهما وداهمها الفزع حينما أراح رأسه على كتفها ليخاطبها في صوت شديد الهدوء لكنه باعث على الشعور بالهلاك الحتمي
طب مش كنتي تقوليلي يا دكتورة عشان أبقى معاكي في اللحظة دي!!!
يتبع الفصل الرابع عشر
حاولت إخفاء النتائج خلف ظهرها وهي تواصل الكذب المكشوف
دي تحاليل واحدة زميلتي.
رفع حاجبه للأعلى متسائلا باقتضاب مريب
بجد
أكدت له بهزات متتالية من رأسها وهي تطوي الورق لئلا يقرأ ما دون فيه
أيوه.
زم فمه للحظة ثم دنا منها متسائلا بهذه النبرة الغريبة
وإنتي بنفسك جاية تشوفيها
ابتلعت ريقا غير موجود في حلقها وأخبرته برجفة بائنة في صوتها
دي خدمة ليها.
تقوست شفتاه عن ابتسامة ساخرة أتبعها قوله الهازئ
فعلا قلبك حنين.
جاهدت لتبدو مقنعة وهي تظهر ضيقها من تهكمه
لو سمحت مافيش داعي للتريقة أنا بشوف شغلي.
أولته ظهرها واتجهت للطاولة الموضوعة لتسحب بضعة ملفات وضعتها فوق ورقة النتائج التي تخصها لعل وعسى تنجح في إخفائها وسطهم ثم خاطبته دون أن تنظر ناحيته
وبعدين أنا خلصت اللي ورايا والوقت اتأخر مش المفروض نمشي
أنهت عبارتها وهي تلتفت ناظرة إليه فوجدته يرمقها بهذه النظرات الغامضة ثم أومأ قائلا باقتضاب
أكيد.
ومع ذلك ظل شعور الخۏف مظللا عليها يشعرها بأنه يضمر لها شيئا ضدها. أشار لها لتتبعه مكملا في أدب مريب
اتفضلي.
تحركت أمامه وهي شبه ترتجف فنظرته التي صحبتها لم تكن مريحة بالمرة لكنها توارت خلف قناع الجمود الذي وضعته على وجهها محاولة ألا تظهر اضطرابها فيستغل هذه النقطة لصالحه ويتحرى أكثر عما ظنت أنها نجحت في تخبئته.
تقمص روح الوداعة الممزوجة بالحماقة لتعتقد أن حيلتها الساذجة قد انطلت عليه وأنه بالفعل صدق ما قالته بشأن نتائج تحاليل الحمل الخاصة بإحدى رفيقاتها في العمل لم يكن على هذا القدر من الغباء لينخدع بسهولة حافظ على صمته المشحون بالكثير طوال طريق عودتهما لكن ما إن ولج الاثنان إلى داخل بيته حتى استوقفها بسؤاله الذي جعل كلها يرتج تاركا الباب مواربا
رايحة فين
تجمدت في مكانها ثم رفعت عينيها إلى وجهه خائڤة وهي تسأله بترقب مشوب بالارتباك
عاوز مني حاجة
ببطء أهلك أعصابها تقدم في خطواته ناحيتها حتى أصبح ما يفصل بينهما مسافة خطوة دس يديه في جيبي بنطاله وحدجها بنظرة قاسېة لا تنوي خيرا شعرت بها تنفذ داخلها تماما. بهتت ملامحها عندما سألها في استعتاب حاد
مش عيب يا دكتورة لما تكدبي على جوزك وتستهوني بذكائه
اهتزت نظراتها وهي تردد في صيغة متسائلة
أنا
ارتفعت نبرته فجأة فبدا صوته كالهدير وهو يستطرد
إنتي مفكرة إن الكدبة الهبلة اللي قولتيها دي دخلت عليا وصدقتها
انتفضت مرتعشة أمامه فأمسك بها من منبتي ذراعيها يهزها پعنف صائحا بها
بتخبي عليا حملك
تلعثمت وهي تحاول تبرير موقفها
أنا آ...
قاطعها قبل أن تسترسل في كڈبة جديدة بصوته العالي والمخيف مواصلا هزها بعصبية
إنتي موجودة معايا في المستشفي دي بالذات عشان تكوني تحت عيني طول الوقت.
برزت عيناها في اتساع شديد فأكمل باستهزاء وهو يسدد لها نظرة احتقارية مهينة
فحاجة عبيطة زي دي مش هتعدي بالساهل!
سلاح المواجهة كان الشيء الوحيد المتاح لها لمقاومته انتفضت مبعدة قبضتيه عنها وتراجعت للخلف مسافة خطوتين لتهدر به في انفعال
وده هيفرق معاك في حاجة يا دكتور مهاب إني أكون حامل ولا لأ
نظر لها بعينين تشتعلان بشدة فتابعت ما بدا بالھجوم اللفظي عليه
ماظنش إن حد بمستوى عيلتك الغنية يفكر